أحدهما: وجه المجازاة بالثواب والعقاب، وعليه عدد جم من الآيات، تفيد:
أن ما سيستقبل الانسان من خير أو شر كجنة أو نار أنما هو جزاء لما عمله في الدنيا من العمل.
وثانيهما: وجه تجسم الأعمال وعليه عدة أخرى من الآيات، وهي تدل على أن الأعمال تهيئ بأنفسها أو باستلزامها وتأثيرها أمورا مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيرا أو شرا هي التي سيطلع عليه الانسان يوم يكشف عن ساق. وإياك أن تتوهم أن الوجهين متنافيان فإن الحقائق إنما تقرب إلى الافهام بالأمثال المضروبة كما ينص على ذلك القرآن.
وقوله تعالى: إلا الفاسقين، الفسق كما قيل من الألفاظ التي أبدع القرآن إستعمالها في معناها المعروف، مأخوذ من فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها وجلدها ولذلك فسر بعده بقوله تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) الآية، والنقض إنما يكون عن إبرام، ولذلك أيضا وصف الفاسقين في آخر الآية بالخاسرين والانسان إنما يخسر فيما ملكه بوجه، قال تعالى: (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) الشورى - 45، وإياك أن تتلقى هذه الصفات التي أثبتها سبحانه في كتابه للسعداء من عباده أو الأشقياء مثل المقربين والمخلصين والمخبتين والصالحين والمطهرين وغيرهم، ومثل الظالمين والفاسقين والخاسرين والغاوين والضالين وأمثالها أوصافا مبتذلة أو مأخوذة لمجرد تزيين اللفظ، فتضطرب بذلك قريحتك في فهم كلامه تعالى فتعطف الجميع على واد واحد، وتأخذها هجائا عاميا وحديثا ساذجا سوقيا بل هي أوصاف كاشفة عن حقائق روحية ومقامات معنوية في صراطي السعادة والشقاوة، كل واحد منها في نفسة مبدأ لآثار خاصة ومنشأ لاحكام مخصوصة معينة، كما أن مراتب السن وخصوصيات القوى وأوضاع الخلقة في الانسان كل منها منشأ لاحكام وآثار مخصوصة لا يمكننا أن نطلب واحدا منها من غير منشأه ومحتده، ولئن تدبرت في مواردها من كلامه تعالى وأمعنت فيها وجدت صدق ما ادعيناه.
بحث الجبر والتفويض وإعلم: أن بيانه تعالى أن الاضلال إنما يتعلق بالفاسقين يشرح كيفية تأثيره