والحكمة والعدالة وفروعها فان الانسان ليس له إلا الاعتقاد والقول والعمل، وإذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلا ما يقول ولا يقول إلا ما يعتقد، والانسان مفطور على قبول الحق والخضوع له باطنا وإن أظهر خلافه ظاهرا فإذا أذعن بالحق وصدق فيه قال ما يعتقده وفعل ما يقوله وعند ذلك تم له الايمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة - 120، والحصر في قوله أولئك الذين صدقوا، يؤكد التعريف وبيان الحد، والمعنى - والله أعلم - إذا أردت الذين صدقوا فأولئك هم الأبرار.
وأما ما عرفهم به ثالثا بقوله: وأولئك هم المتقون، الحصر لبيان الكمال فان البر والصدق لو لم يتما لم يتم التقوى.
والذي بينه تعالى في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي التي ذكرها في غيرها.
قال تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله - إلى أن قال - وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) الدهر - 12، فقد ذكر فيها الايمان بالله واليوم الآخر والانفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر، وقال تعالى أيضا: (كلا إن كتاب الأبرار لفى عليين وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. إن الأبرار لفي نعيم - إلى أن قال - يسقون من رحيق مختوم - إلى أن قال - عينا يشرب بها المقربون) المطففين - 28، بالتطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبرت فيها، وقد وصفتهم الآيات بأنهم عباد الله وأنهم المقربون، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) الحجر - 42، ووصف المقربين بقوله: (والسابقون السابقون. أولئك المقربون في جنات النعيم) الواقعة - 12، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا.
وقد بان مما مر أن الأبرار أهل المرتبة العالية من الايمان، وهي المرتبة الرابعة على ما مر بيانه سابقا، قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) الانعام - 82.