(بيان) قوله تعالى: وقالوا اتخذ الله ولدا يعطي السياق، أن المراد بالقائلين بهذه المقالة هم اليهود والنصارى: إذ قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فإن وجه الكلام مع أهل الكتاب، وإنما قال أهل الكتاب هذه الكلمة أعني قولهم: اتخذ الله ولدا أول ما قالوها تشريفا لأنبيائهم كما قالوا: نحن أبناء الله وأحبائه ثم تلبست بلباس الجد والحقيقة فرد الله سبحانه عليهم في هاتين الآيتين فأضرب عن قولهم بقوله: بل له ما في السماوات إلخ، ويشتمل على برهانين ينفي كل منهما الولادة وتحقق الولد منه سبحانه، فإن اتخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي بعض أجزاء وجوده، ويفصله عن نفسه فيصيره بتربية تدريجية فردا من نوعه مماثلا لنفسه، وهو سبحانه منزه عن المثل، بل كل شئ مما في السماوات والأرض مملوك له، قائم الذات به، قانت ذليل عند ذلة وجودية، فكيف يكون شئ من الأشياء ولدا له مماثلا نوعيا بالنسبة إليه؟ وهو سبحانه بديع السماوات والأرض، إنما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق، فلا يشبه شئ من خلقه خلقا سابقا، ولا يشبه فعله فعل غيره في التقليد والتشبيه ولا في التدريج، والتوصل بالأسباب إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون من غير مثال سابق ولا تدريج، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتخاذ الولد؟ وتحققه يحتاج إلى تربية وتدريج، فقوله: له ما في السماوات والأرض كل له قانتون برهان تام، وقوله:
بديع السماوات والأرض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون برهان آخر تام، هذا.
ويستفاد من الآيتين: اولا: شمول حكم ا لعبادة لجميع المخلوقات مما في السماوات والأرض.
وثانيا: ان فعله تعالى غير تدريجي، ويستدرج من هنا، ان كل موجود تدريجي فله وجه غير تدريجي، به يصدر عنه تعالى كما قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس - 82، وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر - 50، وتفصيل القول في هذه الحقيقة القرآنية، سيأتي إنشاء الله في ذيل قوله: (إنما أمره إذا أراد شيئا) يس - 82، فانتظر.