يسميه الانسان روحا لنفسه ويحكي عنه بأنا مجموعة متكونة من أرواح غير محصورة على نعت الاتحاد والاجتماع، ومن المعلوم أن هذه الكيفيات الحيوية والخواص الروحية تبطل بموت الجراثيم والسلولات وتفسد بفسادها فلا معنى للروح الواحدة المجردة الباقية بعد فناء التركيب البدني غاية الامر أن الأصول المادية المكتشفة بالبحث العلمي لما لم تف بكشف رموز الحياة كان لنا أن نقول: أن العلل الطبيعية لا تفي بإيجاد الروح فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة، وأما الاستدلال على تجرد النفس من جهة العقل محضا فشئ لا يقبله ولا يصغي إليه العلوم اليوم لعدم اعتمادها على غير الحس والتجربة، هذا.
أقول: وأنت خبير بأن جميع ما أوردناه على حجة الماديين وارد على هذه الحجة المختلقة من غير فرق ونزيدها أنها مخدوشة اولا: بأن عدم وفاء الأصول العلمية المكتشفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة لا ينتج عدم وفائها أبدا ولا عدم انتهاء هذه الخواص إلى العلل المادية في نفس الامر على جهل منا، فهل هذا إلا مغالطة وضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم؟
وثانيا: بأن استناد بعض حوادث العالم - وهي الحوادث المادية - إلى المادة، وبعضها الاخر وهي الحوادث الحيوية إلى أمر وراء المادة - وهو الصانع - قول بأصلين في الايجاد، ولا يرتضيه المادي ولا الإلهي، وجميع أدلة التوحيد يبطله.
وهنا إشكالات أخر أوردوها على تجرد النفس مذكورة في الكتب الفلسفية والكلامية غير أن جميعها ناشئة عن عدم التأمل والامعان فيما مر من البرهان، وعدم التثبت في تعقل الغرض منه، ولذلك أضربنا عن إيرادها، والكلام عليها، فمن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانها، والله الهادي (بحث أخلاقي) علم الأخلاق (وهو الفن الباحث عن الملكات الانسانية المتعلقة بقواه النباتية والحيوانية والانسانية، وتميز الفضائل منها من الرذائل ليستكمل الانسان التحلي