الصفة التي لا يشاركه فيها غيره، كالألوهية فهو واحد في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره تعالى، والعلم و القدرة والحياة، فله علم لا كالعلوم وقدرة وحياة لا كقدرة غيره وحياته، وواحد من جهة أن الصفات التي له لا تتكثر ولا تتعدد إلا مفهوما فقط، فعلمه وقدرته وحياته جميعها شئ واحد هو ذاته، ليس شئ منها غير الآخر بل هو تعالى يعلم بقدرته ويقدر بحيوته وحي بعلمه، لا كمثل غيره في تعدد الصفات عينا ومفهوما، وربما يتصف الشئ بالوحدة من جهة ذاته، وهو عدم التكثر والتجزي في الذات بذاته، فلا تتجزى إلى جزء وجزء، وإلى ذات واسم وهكذا، وهذه الوحدة هي المسماة بأحدية الذات، ويدل على هذا المعنى بلفظ أحد، الذي لا يقع في الكلام من غير تقييد بالإضافة إلا إذا وقع في حيز النفي أو النهي أو ما في معناهما كقولنا ما جائني أحد، فيرتفع بذلك أصل الذات سواء كان واحدا أو كثيرا، لان الوحدة مأخوذة في أصل الذات لا في وصف من أوصافه بخلاف قولنا: ما جائني واحد فان هذا القول لا يكذب بمجئ اثنين أو أزيد لان الوحدة مأخوذة في صفة الجائى وهو الرجولية في رجل واحد مثلا فاحتفظ بهذا الاجمال حتى نشرحه تمام الشرح في قوله تعالى: (قل هو الله أحد) الاخلاص - 1، إنشاء الله تعالى.
وبالجملة فقوله: وإلهكم إله واحد، تفيد بجملته اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، ووحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك وتعالى، وذلك أن لفظ الواحد بحسب المتفاهم عند هؤلاء المخاطبين لا يدل على أزيد من مفهوم الوحدة العامة التي تقبل الانطباق على أنواع مختلفة لا يليق بالله سبحانه إلا بعضها فهناك وحدة عددية ووحدة نوعيه ووحدة جنسية وغير ذلك، فيذهب وهم كل من المخاطبين إلى ما يعتقده ويراه من المعنى، ولو كان قيل: والله إله واحد، لم يكن فيه توحيد لان أرباب الشرك يرون أنه تعالى إله واحد، كما أن كل واحد من آلهتهم إله واحد، ولو كان قيل: وإلهكم واحد لم يكن فيه نص على التوحيد، لامكان أن يذهب الوهم إلى أنه واحد في النوع، وهو الألوهية، نظير ما يقال في تعداد أنواع الحيوان: الفرس واحد، والبغل واحد، مع كون كل منهما متعددا في العدد، لكن لما قيل: وإلهكم إله واحد فأثبت معنى إله واحد - وهو في مقابل الهين اثنين وآلهة كثيرة - على قوله: إلهكم كان نصا في التوحيد بقصر أصل الألوهية على واحد من الإلهي التي اعتقدوا بها.