إذ أبصر طيرا، فقال: هذا هو منها. قال: فحاذى فطرحه على رأسه، فخرج من دبره.
وقال عبيد بن عمير الليثي: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل، فبعث عليهم طيرا نشأت من البحر، كأنها الخطاطيف، كل طير منها معه ثلاثة أحجار. ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم. ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها. فما من حجر وقع منها على رجل، إلا خرج من الجانب الآخر. وإن وقع على رأسه خرج من دبره. وإن وقع على شئ من جسده خرج من الجانب الآخر. وعن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا، عليها الطين. فلما حاذت بهم رمتهم، فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة، وكان لا يحك الانسان منهم جلدا إلا تساقط لحمه. قال: وكانت الطير نشأت من قبل البحر، لها خراطيم الطيور، ورؤوس السباع، لم تر قبل ذلك، ولا بعده.
المعنى: خاطب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تنبيها على عظم الآية التي أظهرها، والمعجزة التي فعلها، فقال: (ألم تر) أي ألم تعلم يا محمد، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ذلك. وقيل: معناه ألم تخبر، عن الفراء. (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) الذين قصدوا تخريب الكعبة، وكان معهم فيل واحد اسمه محمود، عن مقاتل.
وقيل: ثمانية أفيال، عن الضحاك. وقيل: اثنا عشر فيلا، عن الواقدي. وإنما وحد لأنه أراد الجنس. وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليه أكثر العلماء. وقيل: كان أمر الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث وعشرين سنة، عن الكلبي. وقيل: كان قبل مولده بأربعين سنة، عن مقاتل. والصحيح الأول. ويدل عليه ما ذكر أن عبد الملك بن مروان قال لعتاب بن أشيم الكناني الليثي: يا عتاب!
أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال عتاب: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه. ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل، ووقعت على روث الفيل. وقالت عائشة:
رأيت قائد الفيل، وسائقه بمكة، أعميين مقعدين، يستطعمان. (ألم يجعل كيدهم في تضليل) معناه: ألم يجعل إرادتهم السوء، واحتيالهم في تخريب البيت الحرام، وقتل أهله وسبيهم واستباحتهم، في تضليل عما قصدوا إليه. ضل سعيهم حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم. وقيل: في تضليل أي في ذهاب وبطلان (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة. قال الأعشى: