فجعلت ترميهم، وكل طائر في منقاره حجر، وفي رجليه حجران. وإذا رمت بذلك مضت، وطلعت أخرى. فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه، ولا عظم إلا أوهاه وثقبه، وتاب أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة، فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها أرب، حتى إذا انتهى إلى اليمن، لم يبق شئ إلا باده.
فلما قدمها تصدع صدره، وانشق بطنه فهلك، ولم يصب من الأشعرين وخثعم أحد. قال: وكان عبد المطلب يرتجز، ويدعو على الحبشة، يقول:
يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا 8 إنهم لم يقهروا قواكا (1) قال: ولم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك، وليس كل القوم أصابت.
وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاءوا، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق. وقال نفيل في ذلك:
ردينة لو رأيت ولن ترينه * لدى جنب المحصب ما رأينا (2) حمدت الله إذ عاينت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا وكل القوم يسأل عن نفيل * كأن علي للحبشان دينا وقال مقاتل بن سليمان: السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة، هو أن فئة من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر، وفي حقف من أحقافها بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل، ويسميها النجاشي وأهل أرضه ماسرخشان فنزل القوم فجمعوا حطبا، ثم أججوا نارا، واشتروا لحما. فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف، فذهبت الرياح بالنار، فاضطرم الهيكل نارا. فغضب النجاشي لذلك، فبعث أبرهة لهدم الكعبة.
وروى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أرسل الله على أصحاب الفيل طيرا مثل الخطاف ونحوه، في منقاره حجر مثل العدسة، فكان يحاذي برأس الرجل، فيرميه بالحجارة، فيخرج من دبره. فلم تزل بهم حتى أتت عليهم. قال: فأفلت رجل منهم، فجعل يخبر الناس بالقصة. فبينا هو يخبرهم