فقصفت يديه ورجليه، وشنجت جسده. فأرسل إلى من معه من اليهود فقال:
ويحكم! ما الذي أصابني؟ قالوا: حدثت نفسك بشئ؟ قال: نعم، وذكر ما أجمع عليه من هدم البيت، وإصابة ما فيه. قالوا: ذلك بيت الله الحرام، ومن أراده هلك. قال: ويحكم! وما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بأن تطوف به، وتكسوه، وتهدي له. فحدث نفسه بذلك، فأطلقه الله.
ثم سار حتى دخل مكة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وكسا البيت. وذكر الحديث في نحره بمكة، وإطعامه الناس، ثم رجوعه إلى اليمن، وقتله، وخروج ابنه إلى قيصر، واستغاثته به فيما فعل قومه بأبيه. وأن قيصر كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة، وأن النجاشي بعث له ستين ألفا، واستعمل عليهم روزبه، حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه، ودخلوا صنعاء، فملكوها، وملكوا اليمن. وكان في أصحاب روزبه رجل يقال له أبرهة، وهو أبو يكسوم. فقال لروزبه: إني أولى بهذا الأمر منك، وقتله مكرا، وأرضى النجاشي. ثم إنه بنى كعبة باليمن، وجعل فيها قبابا من ذهب، فأمر أهل مملكته بالحج إليها، يضاهي بذلك البيت الحرام.
وإن رجلا من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن، فنظر إليها، ثم قعد فيها يعني لحاجة الانسان، فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها، فقال: من اجترأ علي بهذا، ونصرانيتي لأهدمن ذلك البيت حتى لا يحجه حاج أبدا. ودعا بالفيل، وأذن قومه بالخروج، ومن اتبعه من أهل اليمن، وكان أكثر من اتبعه منهم عك والأشعرون وخثعم.
قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه، بعث رجلا من بني سليم، ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه، فتلقاه أيضا رجل من الحمس، من بني كنانة، فقتله. فازداد بذلك حنقا، وحث السير والانطلاق، وطلب من أهل الطائف دليلا، فبعثوا معه رجلا من هذيل يقال له نفيل. فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس، نزلوه وهو من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة، فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال، وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء، ولم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته، وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار، أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب، ثم يقول: