(ليكون لهم عدوا وحزنا) وهم لم يلتقطوه لذلك. فلما آل الأمر إليه، حسن أن يجعله علة الالتقاط. وقال الخليل وسيبويه: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش أي: ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة، واعترافا بها. وقيل: هو على (ألم تر كيف فعل ربك) لإيلاف قريش، عن الفراء، لأنه سبحانه ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم، فيما صنع بالحبشة.
المعنى: (لإيلاف قريش) أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف. فكأنه قال: نعمة إلى نعمة. فتكون اللام مؤدية معنى إلى، وهو قول الفراء. وقيل: معناه فعلنا ذلك لتألف قريش بمكة، ويمكنهم المقام بها. أو لتؤلف قريشا، فإنهم هابوا من أبرهة لما قصدها، وهربوا منه، فأهلكناهم لترجع قريش إلى مكة، ويألفوا بها، ويولد محمد (ص)، فيبعث إلى الناس بشيرا ونذيرا. وقوله: (إيلافهم) ترجمة عن الأول، وبدل منه (رحلة الشتاء والصيف) منصوبة بوقوع إيلافهم عليها، وتحقيقه: إن قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليهم فيه، وأن يعرض لهم أحد بالسوء إذا خرجت منه لتجارتها. والحرم واد جديب، إنما كانت تعيش قريش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة: رحلة في الشتاء إلى اليمن، لأنها بلاد حامية. ورحلة في الصيف إلى الشام، لأنها بلاد باردة. ولولا هاتان الرحلتان، لم يمكنهم به مقام. ولولا الأمن لم يقدروا على التصرف. فلما قصد أصحاب الفيل مكة، أهلكهم الله لتألف قريش هاتين الرحلتين اللتين بهما معيشتهم، ومقامهم بمكة. وقيل: إن كلتا الرحلتين كانت إلى الشام، ولكن رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلبا للدف ء ورحلة الصيف إلى بصرى وأذرعات طلبا للهواء. وأما قريش فهم ولد النضر بن كنانة. فكل من ولده النضر فهو قرشي. ومن لم يلده النضر فليس بقرشي. واختلف في تسميتهم بهذا الاسم، فقيل: سموا قريشا للتجارة، وطلب المال، وجمعه. وكانوا أهل تجارة، ولم يكونوا أصحاب ضرع، ولا زرع.
والقرش: المكسب. يقال: هو يقرش لعياله أي يكتسب لهم. وذكر أنه قيل لابن عباس: لم سميت قريش قريشا؟ فقال: لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه، يقال لها القريش، لا تمر بشئ من الغث والسمين إلا أكلته. قيل: أفتنشد في ذلك شيئا؟ فأنشد قول الجمحي.