نسبوا الصيحة، والريح العقيم، والخسف، وغيرهما مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية، إلى ذلك، إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهيأة لهلاك أقوام معينين، قاصدات إياهم دون من سواهم، فترميهم بها حتى تهلكهم، وتدمر عليهم، حتى لا يتعدى ذلك إلى غيرهم، ولا يشك من له مسكة من عقل ولب، أن هذا لا يكون إلا من فعل الله تعالى، مسبب الأسباب، ومذلل الصعاب. وليس لأحد أن ينكر هذا، لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ هذه السورة على أهل مكة، لم ينكروا ذلك، بل أقروا به، وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه، واعتنائهم بالرد عليه. وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل، فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل، لأنكروه وجحدوه، وكيف وأنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة، وموت قصي بن كعب، وغير ذلك. وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل، ونظموه، ونقلته الرواة عنهم. فمن ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت:
إن آيات ربنا بينات * ما يماري فيهن إلا الكفور حبس الفيل بالمغمس حتى * ظل يحبو كأنه معقور (1) وقال عبد الله بن عمرو بن مخزوم:
أنت الجليل ربنا لم تدنس * أنت حبست الفيل بالمغمس من بعد ما هم بشئ مبلس * حبسته في هيئة المكركس أي المنكس. قال ابن الرقيات في قصيدة:
واستهلت عليهم الطير بال * جندل حتى كأنه مرجوم