اليسرى، وهو دخول الجنة، واستقبال الملائكة إياه بالتحية والبشرى. وقوله: (وأما من بخل) أي ضن بماله الذي لا يبقى له، وبخل بحق الله فيه. (واستغنى) أي التمس الغنى بذلك المنع لنفسه. وقيل: معناه أنه عمل عمل من هو مستغن عن الله، وعن رحمته (وكذب بالحسنى) أي بالجنة والثواب وبالوعد والخلف (فسنيسره للعسرى) هو على مزاوجة الكلام، والمراد به التمكين أي: نخلي بينه وبين الأعمال الموجبة للعذاب والعقوبة. (وما يغني عنه ماله إذا تردى) أي سقط في النار، عن قتادة وأبي صالح. وقيل: إذا مات وهلك، عن مجاهد. وقيل للحسن: إن فلانا جمع مالا. فقال: هل جمع لذلك عمرا؟ قالوا: لا. قال: فما تصنع الموتى بالأموال. (إن علينا للهدى) معناه: إن علينا لبيان الهدى بالدلالة عليه. فأما الاهتداء فإليكم. أخبر سبحانه أن الهدى واجب عليه، ولو جاز الإضلال عليه لما وجب الهداية. قال قتادة: معناه إن علينا بيان الطاعة والمعصية.
(وإن لنا للآخرة والأولى) وإن لنا ملك الآخرة، وملك الأولى. فلا يزيد في ملكنا اهتداء من اهتدى، ولا ينقص منه عصيان من عصى، ولو نشاء لمنعناهم عن ذلك قسرا وجبرا، ولكن التكليف اقتضى أن نمنعهم بيانا وأمرا وزجرا. ثم خوف سبحانه العادل عن الهدى فقال: (فأنذرتكم نارا تلظى) أي خوفتكم نارا تتلهب، وتتوهج وتتوقد (لا يصلاها) أي لا يدخل تلك النار، ولا يلزمها (إلا الأشقى) وهو الكافر بالله (الذي كذب) بآيات الله ورسله (وتولى) أي: أعرض عن الإيمان (وسيجنبها) أي سيجنب النار، ويجعل منها على جانب (الأتقى) المبالغ في التقوى (الذي يؤتي ماله) أي ينفقه في سبيل الله (يتزكى) يطلب أن يكون عند الله زكيا، لا يطلب بذلك رياء، ولا سمعة. قال القاضي: قوله (لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى) لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما يقوله الخوارج، وبعض المرجئة، وذلك لأنه نكر النار المذكورة، ولم يعرفها.
فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران، لا يصلاها إلا من هذه حاله. والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين، فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصلاها قوم آخرون. وبعد فإن الظاهر من الآية، يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب وتولى، وجمع بين الأمرين، فلا بد للقوم من القول بخلافه، لأنهم يوجبون النار، لمن يتولى عن كثير من الواجبات، وإن لم يكذب. وقيل: إن الأتقى