وتنافسوا، وتغالبوا، وظلموا في الأرض، وتغلب بعضهم على بعض، وخرجوا عن الطاعة. قال ابن عباس: بغيهم في الأرض: طلبهم منزلة بعد منزلة، ودابة بعد دابة، وملبسا بعد ملبس. (ولكن ينزل بقدر ما يشاء) أي: ولكنه ينزل من الرزق قدر صلاحهم ما يشاء، نظرا منه لهم، عن قتادة. والمعنى: إنه يوسع الرزق على من تكون مصلحته فيه، ويضيق على من تكون مصلحته فيه، ويؤيده الحديث الذي رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عليه السلام عن الله: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم، ولو صححته لأفسده. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده. وذلك أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم). والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
ومتى قيل: نحن نرى كثيرا ممن يوسع عليه الرزق يبغي في الأرض؟ قلنا: إنا إذا علمنا على الجملة أنه سبحانه يدبر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم، فلعل هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي، وسع عليهم أو لم يوسع، أو لعلهم لو لم يوسع عليهم لكانوا أسوأ حالا في البغي، فلذلك وسع عليهم، والله أعلم بتفاصيل أحوالهم.
(إنه بعباده خبير بصير) أي. عليم بأحوالهم، بصير بما يصلحهم، وما يفسدهم. ثم بين سبحانه حسن نظره بعباده فقال: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) أي: ينزله عليهم من بعد ما يئسوا من نزوله. والغيث: ما كان نافعا في وقته. والمطر قد يكون نافعا، وقد يكون ضارا في وقته، وغير وقته. ووجه إنزاله بعد القنوط أنه أدعى إلى شكر الآتي به، وتعظيمه، والمعرفة بموقع إحسانه. (وينشر رحمته) أي. ويفرق نعمته، ويبسطها باخراج النبات والثمار التي يكون سببها المطر (وهو الولي) الذي يتولى تدبير عباده، وتقدير أمورهم ومصالحهم، المالك لهم.
(الحميد) المحمود على جميع أفعاله، لكون جميعها إحسانا ومنافع.
(ومن آياته) الدالة على وحدانيته، وصفاته التي باين بها خلقه (خلق السماوات والأرض) لأنه لا يقدر على ذلك غيره، لما فيهما من العجائب والأجناس التي لا يقدر عليها القادر بقدرته. (وما بث فيهما من دابة) والدابة: ما تدب، فيدخل فيه جميع الحيوانات (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) أي: وهو على