المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال: (وأن إلى ربك المنتهى) يعني وإن إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمر. والمنتهى والآخر واحد، وهو المصير إلى حيث ينقطع العمل عنده (وأنه هو أضحك وأبكى) أي فعل سبب الضحك والبكاء من السرور والحزن، كما يقال. أضحكني فلان وأبكاني، عن عطاء والجبائي.
وقيل: أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، عن مجاهد.
والضحك والبكاء من فعل الانسان. قال الله تعالى: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا). وقال: (تعجبون وتضحكون) فنسب الضحك إليهم. وقال الحسن: إن الله سبحانه هو الخالق للضحك والبكاء. والضحك: تفتح أسرار الوجه عن سرور وعجب في القلب، فإذا هجم على الانسان منه ما لا يمكنه دفعه، فهو من فعل الله.
والبكاء: جريان الدمع على الخد، عن غم في القلب، وربما كان عن فرح يمازجه تذكر حزن، فكأنه عن رقة في القلب. وقيل: معنى الآية أضحك الأشجار بالأنوار، وأبكى السحاب بالأمطار. وقيل: أضحك المطيع بالرحمة، وأبكى العاصي بالسخطة.
(وأنه هو أمات وأحيا) أي خلق الموت فأمات به الأحياء، لا يقدر على ذلك غيره، لأنه لو قدر على الموت، لقدر على الحياة، فإن القادر على الشئ قادر على ضده، ولا يقدر أحد على الحياة إلا الله تعالى. وخلق الحياة التي يحيا بها الحيوان، فأمات الخلق في الدنيا، وأحياهم في العقبى للجزاء. (وأنه خلق الزوجين) أي الصنفين (الذكر والأنثى) من كل حيوان (من نطفة إذا تمنى) أي إذا خرجت منهما وتنصب في الرحم. والنطفة ماء الرجل والمرأة التي يخلق منها الولد، عن عطاء والضحاك والجبائي. وقيل: تمنى أي تقدر وهو أصله، فالمعنى تلقى على تقدير في رحم الأنثى (وأن عليه النشأة الأخرى) أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة، يعني عليه أن يبعث الناس أحياء للجزاء. فإن قيل: إن لفظة (على) كلمة إيجاب، فكيف يجب على الله سبحانه ذلك؟ فالجواب: إنه سبحانه إذا كلف الخلق، فقد ضمن الثواب. فإذا فعل فيهم الآلام، فقد ضمي العوض. فإذا لم يعوض في.
الدنيا، وخلى بين المظلوم والظالم، فلا بد من دار أخرى يقع فيها الجزاء والإنصاف والانتصاف. وقد وعد سبحانه بذلك فيجب الوفاء به.
(وأنه هو أغنى وأقنى) أي أغنى الناس بالأموال، وإعطاء القنية، وأصول