ضيق الصدر من أذى قومه، فقيل له: فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله.
(واستغفر لذنبك) الخطاب له، والمراد به الأمة، وإنما خوطب بذلك لتستن أمته بسنته. وقيل: إن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب. وقد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة بن اليمان قال: كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا رسول الله! إني لأخشى أن يدخلني لساني في النار؟ فقال رسول الله (ص): " فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ".
(وللمؤمنين والمؤمنات) أكرمهم الله سبحانه بهذا، إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم، وهو الشفيع المجاب فيهم. ثم أخبر سبحانه عن علمه، وأحوال الخلق ومآلهم فقال: (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) أي متصرفكم في أعمالكم في الدنيا، ومصيركم في الآخرة إلى الجنة، أو إلى النار، عن ابن عباس. وقيل: يعلم متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، ومثواكم أي مقامكم في الأرض، عن عكرمة. وقيل: متقلبكم من ظهر إلى بطن، ومثواكم في القبور، عن ابن كيسان.
وقيل: يعلم متقلبكم متصرفكم في النهار، ومثواكم مضجعكم بالليل. والمعنى: إنه عالم بجميع أحوالكم، فلا يخفى عليه شئ منها.
ثم قال سبحانه حكاية عن المؤمنين: (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة) أي هلا نزلت، لأنهم كانوا يأنسون بنزول القران، ويستوحشون لإبطائه، ليعلموا أوامر الله تعالى فيهم، وتعبده لهم. (فإذا أنزلت سورة محكمة) ليس فيها متشابه، ولا تأويل. وقيل: سورة ناسخة لما قبلها من إباحة التخفيف في الجهاد. قال قتادة:
كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشد القرآن على المنافقين. قيل:
محكمة أي مقرونة بوعيد يؤكد الأمر كقوله: (ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما).
وقيل: محكمة بوضوح ألفاظها. وعلى هذا القرآن كله محكم. وقيل: هي التي تتضمن نصا لم يختلف تأويله، ولم يتعقبه نص. وفي قراءة ابن مسعود: " سورة محدثة " أي مجددة.
(وذكر فيها القتال) أي وأوجب عليهم فيها القتال، وأمروا به (رأيت) يا محمد (الذين في قلوبهم مرض) أي شك ونفاق (ينظرون إليك نظر المغشي عليه