آلهة إلا الله لفسدتا). وفي هذا دلالة عجيبة في التوحيد، وهو أن كل واحد من الآلهة من حيث يكون إلها، يكون قادرا لذاته، فيؤدي إلى أن يكون قادرا على كل ما يقدر عليه غيره من الآلهة، فيكون غالبا ومغلوبا من حيث إنه قادر لذاته. وأيضا فإن من ضرورة كل قادرين صحة التمانع بينهما. فلو صح وجود إلهين، صح التمانع بينهما من حيث إنهما قادران، وامتنع التمانع بينهما من حيث إنهما قادران للذات، وهذا محال.
وفي هذا دلالة على إعجاز القرآن، لأنه لا يوجد في كلام العرب كلمة وجيزة تضمنت ما تضمنته هذه، فإنها قد تضمنت دليلين باهرين على وحدانية الله، وكمال قدرته. ثم نزه نفسه عما وصفوه به فقال: (سبحان الله عما يصفون) أي: عما يصفه به المشركون من اتخاذه الولد والشريك. (عالم الغيب والشهادة) أي: يعلم ما غاب وما حضر، فلا يخفى عليه شئ (فتعالى الله عما يشركون) والمعنى: إنه عالم بما كان، وبما سيكون، وبما لم يكن أن لو كان كيف يكون. ومن كان بهذه الصفة، لا يكون له شريك، لأنه الأعلى من كل شئ في صفته.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (قل) يا محمد (رب إما تريني ما يوعدون) أي: إن أريتني ما يوعدون من العذاب والنقمة، يعني القتل يوم بدر (رب فلا تجعلني في القوم الظالمين) أي: مع القوم الظالمين. والمعنى: فأخرجني من بينهم عندما تريد إحلال العذاب بهم، لئلا يصيبني ما يصيبهم. وفي هذا دلالة على جواز أن يدعو الانسان بما يعلم أن الله يفعله لا محالة، لأن من المعلوم أن الله تعالى لا يعذب أنبياءه مع المعذبين. ويكون الفائدة في ذلك إظهار الرغبة إلى الله.
(وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون) هذا ابتداء كلام من الله تعالى معناه:
إنا لا نعاجلهم بالعقوبة مع قدرتنا على ذلك، ولكن ننظرهم ونمهلهم لمصلحة توجب ذلك. قال الكلبي: هذا أمر شهده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته. وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن أبي صالح، عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حجة الوداع وهو بمعنى: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في كتيبة يضاربونكم. قال: فغمز من خلف منكبه الأيسر، فالتفت فقال: أو على فنزل:
(قل رب إما تريني) الآيات.