الاعراب: (رزقا): مصدر وضع موضع الحال، تقديره: يجبي إليه ثمرات كل شئ من رزقه. ويجوز أن يكون مصدر فعل محذوف، تقديره: نرزق. ويجوز أن يكون مصدرا من معنى قوله يجبي إليه ثمرات، لأنه في معنى رزق، فيكون مثل قولهم حمدته شكرا. ويجوز أن يكون مفعولا له. وقوله (من لدنا): في موضع نصب على الصفة، لقوله رزقا. (وكم أهلكنا) أي: كثيرا من القرى أهلكنا.
فكم: في موضع نصب بأهلكنا. و (من قرية): في موضع نصب على التمييز لأن كم الخبرية إذا فصل بينها وبين مميزها بكلام، نصب كما ينصب كم الاستفهامية.
(معيشتها): انتصب بقوله (بطرت). وتقديره في معيشتها، فحذف الجار فأفضى الفعل. (فتلك مساكنهم): مبتدأ وخبر. (لم تسكن): في موضع نصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة في تلك. (قليلا): صفة مصدر محذوف تقديره إلا سكونا قليلا، أو صفة ظرف تقديره وقتا أو زمانا قليلا.
النزول: قيل: نزل قول (إنك لا تهدي من أحببت) في أبي طالب، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب إسلامه، فنزلت هذه الآية، وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة، فنزل فيه: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية. فلم يسلم أبو طالب، وأسلم وحشي. ورووا ذلك، عن ابن عباس، وغيره.
وفي هذا نظر كما ترى، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرادته، كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه. وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم، لم يرد إيمان أبي طالب، وأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيمانه، فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمرسل. فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم: إنك يا محمد تريد إيمانه، ولا أريد إيمانه، ولا أخلق فيه الإيمان مع تكفله بنصرتك، وبذل مجهوده في إعانتك، والذب عنك، ومحبته لك، ونعمته عليك. وتكره أنت إيمان وحشي لقتله عمك حمزة، وأنا أريد إيمانه، وأخلق في قلبه الإيمان. وفي هذا ما فيه.
وقد ذكرنا في سورة الأنعام أن أهل البيت، عليهم السلام، قد أجمعوا على أن أبا طالب مات مسلما، وتظاهرت الروايات بذلك عنهم، وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوحيده، فإن استيفاء ذلك جميعه لا تتسع له الطوامير، وما روي من ذلك في كتب المغازي وغيرها، أكثر من أن يحصى،