زفير) أي: صوت كصوت الحمار، وهو شدة تنفسهم في النار عند إحراقها لهم.
(وهم فيها لا يسمعون) أي: لا يسمعون ما يسرهم، ولا ما ينتفعون به. وإنما يسمعون صوت المعذبين، وصوت الملائكة الذين يعذبونهم، ويسمعون ما يسوؤهم، عن الجبائي. وقيل: يجعلون في توابيت من نار، فلا يسمعون شيئا، ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره، عن عبد الله بن مسعود.
قالوا: ولما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزبعرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا محمد! ألست تزعم أن عزيرا رجل صالح، وأن عيسى عليه السلام رجل صالح، وأن مريم امرأة صالحة؟ قال: بلى. قال: فإن هؤلاء يعبدون من دون الله فهم في النار!
فأنزل الله هذه الآية. (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) أي: الموعدة بالجنة.
وقيل: الحسنى السعادة، عن ابن زيد. وكأنه يذهب إلى الكلمة بأنه سيسعد أو إلى العدة لهم على طاعتهم، فأنث الحسنى. (أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها) أي: يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الذي يحس (وهم فيما اشتهت أنفسهم) من نعيم الجنة وملاذها (خالدون) أي: دائمون. والشهوة: طلب النفس اللذة، يقال: اشتهى شهوة. وقيل: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى: عيسى وعزير ومريم، والملائكة الذين عبدوا من دون الله وهم كارهون، استثناهم من جملة ما يعبدون من دون الله، عن الحسن ومجاهد. وقيل: إن الآية عامة في كل من سبقت له الموعدة بالسعادة.
(لا يحزنهم الفزع الأكبر) أي: الخوف الأعظم وهو عذاب النار إذا أطبقت على أهلها، عن سعيد بن جبير وابن جريج. وقيل: هو النفخة الأخيرة لقوله (ونفخ في الصور) ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، عن ابن عباس، وقيل. هو حين يؤمر بالعبد إلى النار، عن الحسن. وقيل: هو حين يذبح الموت على صورة كبش أملح، وينادى: يا أهل الجنة! خلود ولا موت. ويا أهل النار! خلود ولا موت. وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة على كثبان من مسك، لا يحزنهم الفزع الأكبر، ولا يكترثون للحساب: رجل قرأ القرآن محتسبا، ثم أم به قوما محتسبا، ورجل أذن محتسبا، ومملوك أدى حق الله، عز وجل، وحق مواليه). (وتتلقاهم الملائكة) أي: تستقبلهم الملائكة بالتهنئة، يقولون لهم: (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) في الدنيا، فأبشروا بالأمن والفوز.