وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم؟
إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم - يعنون أنفسهم - أفضل منه في الدين فضلا، وأعلم بالله وبنبيه (1) علما.
فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم، فخلق آدم وعلمه الأسماء كلها، ثم عرضها عليهم، فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم أن ينبئهم بها، وعرفهم فضله في العلم عليهم. ثم أخرج من صلب آدم ذريته (2) منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله أفضلهم محمد، ثم آل محمد، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار أمة محمد.
وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة (إذا احتملوا) (3) ما حملوه من الأثقال وقاسوا ما هم فيه من تعرض (4) أعوان (5) الشياطين ومجاهدة النفوس، واحتمال أذى ثقل العيال، والاجتهاد في طلب الحلال، ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء - من لصوص مخوفين، ومن سلاطين جورة قاهرين - وصعوبة المسالك في المضائق والمخاوف، والاجزاع (6) والجبال والتلال لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطيب الحلال.
عرفهم الله عز وجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا، ويتخلصون منها ويحاربون الشياطين ويهزمونهم، ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها، ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرئاسة، والفخر