كأنه شباب، لأنه في زمان الشباب وأن صير مظلما لونه، وهذا عكس قول البحتري:
وشبيبة فيها النهى فإذا بدت * لذوي التوسم فهي شيب أسود فشباب أبيض عكس شيب أسود.
ومعنى البيتين الأخيرين تردد كثيرا في الشعر، لأن عذر كل من اعتذر للشيب إنما هو بأنه ما فل حده ولا أوهن قوته ولا غير حزمه، وقد قال الشاعر:
لم ينتقص مني المشيب قلامة * الآن حين بدا أكب وأكيس وما تعوض عنه من لون الشباب بلون المشيب بمن استبدل ثوبا أسود بأبيض، من بارع التشبيه ونادره، لأن تبديل الثياب المختلفة الألوان لا تغير جلدا ولا توهن عضدا، وإذا وصف بمثل ذلك من تغير لون شعره فهو الغاية في المعنى المقصود.
ونظير هذا المعنى بعينه من شعري مما سيجئ ذكره:
فلا تنكري لونا تبدلت غيره * كمستبدل بعد الرداء رداء ولي أيضا:
أما الشباب فقد مضت أيامه * واستل من كفي الغداة زمامه وتنكرت آياته وتغيرت * جاراته وتقوضت آطامه ولقد درى من في الشباب حياته * إن المشيب إذا علاه حمامه ولي أيضا:
ألا حبذا زمن الحاجري * وإذا أنا في الورق الناضر