وأنه من الدهر ومن الأيام، أو من الهموم والأحزان، أو من صد الحبائب وهجر الصواحب. وستري ذلك في مواضعه فهو كثير.
ولي من قصيدة أولها " بقاء ولكن لو أتى لا أذمه ":
خطوت مدى العشرين أهزأ بالصبي * فلما نأى عني تضاعف همه فيا ليت ما أبقى الشباب وجازه * سريعا على علاته لا يؤمه وليت ثرائي من شباب تعجلت * بشاشته عني تأبد عدمه مشيب أطار النوم عني أقله * فكيف به إن شاع في الرأس عظمه أردت أنني كنت محتقرا لزمان الصبي مستهينا به حتى عدمته فحزنت له، والشئ لا يظهر فضله إلا مع الفقد والبعد.
وأردت بما أبقى الشباب من بقاياه وعقابيله. ويحتمل أن يراد بما أبقاه وخلفه عندي من الشيب، فكأنني أشفقت من لحوق الباقي بالماضي في الذهاب مني والتقضي عني.
فأما التألم من قليل الشيب فأحسن ما قيل فيه قول ابن الرومي:
طرقت عيون الغانيات وربما * أمالت إلي الطرف كل مميل وما شبت إلا شيبة غير أنه * قليل قذاة العين غير قليل وهذا من بارع المعنى واللفظ، ولو لم يكن لابن الرومي في الشيب إلا هذا البيت الواحد لكفاه.
وقد أعاد ابن الرومي هذا المعنى بعينه في قوله:
أصبحت أعين الغواني عدتني * ولعهدي بها إلي تميل