أردت بأن ذاك وفا عذاب * فينتقم العذاب من العذاب (مضى ما لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي في الشيب) وقال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري في الشيب من جملة قصيدة:
وكنت أرجي في الشباب شفاعة * وكيف لباغي حاجة بشفيعه مشيب كبث السرعي بحمله * محدثه أو ضاق صدر مذيعه تلاحق حتى كاد يأتي بطيئه * لحث الليالي قبل آتي سريعه وهذا والله أبلغ كلام وأحسنه وأحلاه وأسلمه وأجمعه لحسن اللفظ وجودة المعنى، وما أحسن ما شبه تكاثر الشيب وتلاحقه ببث السر عن ضيق صدر صاحبه وإعيائه بحمله وعجزه عن طيه، ويشبه بعض الشبه قوله (تلاحق حتى كاد يأتي بطيئه) قولي من أبيات يجئ ذكرها بمشيئة الله تعالى:
سبق احتراسي من أذاه بطيئه * حتى تجللني فكيف عجوله وفي البيت لمحة بعيدة من بيت البحتري وليس بنظير له على التحقيق.
ومعنى البيت الذي يخصني أدخل في الصحة والتحقيق، لأنني خبرت بأن بطئ الشيب سبق وغلب احتراسي وحذري منه فكيف عجوله، ومن سبقه البطئ كيف لا يسبقه السريع. والبحتري قال: إن البطئ كاد أن يسبق السريع، وهذا على ظاهره لا يصح، لأنه يجعل البطئ هو السريع بل أسرع منه، لكن المعنى أنه متدارك متواتر فيكاد البطئ له يسبق السريع. وهذا في غاية الملاحة.