الوطر. وهذا أحسن من قول أبي نواس " كأن الشباب مطية الجهل "، وفي الناس من يرويه " مظنة " بالظاء المعجمة والنون. وإنما تقدم عليه لأن الجهل يرجع إلى الاعتقاد بالقلب وليس للشباب معونة على ذلك، اللهم إلا أن يريد بالجهل الأفعال القبيحة التي يدعو إليها الجهل، فقد يسمى ما يدعو إليه الجهل الذي هو الاعتقاد من الأفعال جهلا على سبيل المجاز والاستعارة.
وهذا ما أراد أبو نواس لا محالة، والترجيح باق، لأنه استعمل لفظة " الجهل " في غير موضعها، ولأن ليس كل من فعل قبيحا فعن جهل يقبحه، بل أكثر من يرتكب القبيح يرتكبه مع العلم بقبحه، فوصف الشباب بأنه مطية للفاسق أصح معنى وأبلغ لفظا.
فأما وصف الخضاب بأنه منافق والشباب بأنه مؤمن، فمن غريب الوصف وبديعه، ولا أعرف نظيره. لأن المؤمن ظاهره وباطنه سواء، والشيب إذا لم يخضب كذلك، والمنافق يخالف ظاهره باطنه، والشعر المخضوب كذلك.
وأحسن ابن الرومي في قوله يصف الخضاب بأنه لا طائل فيه:
إذا كنت تمحو صبغة الله قادرا * فأنت على ما يصنع الناس أقدر ولي من قصيدة أولها " ألا أرقت لضوء برق أو مضا ":
ولقد أتاني الشيب في عصر الصبي * حتى لبست به شبابا أبيضا لم ينتقص مني آوان نزوله * بأسا أطال على العداة وأعرضا فكأنما كنت امرءا مستبدلا * أثوابه كره السواد فبيضا أردت أن الشيب لما طرق قبل كبر السن والهرم كان ما يرى من بياض شعره