بمقدار كلامه عليه السلام في الفصاحة والبلاغة، لما تأدى إلينا من خطبه ومحاوراته في المواضع التي كان يقصد فيها إلى إيراد فصيح الكلام وينعمل لذلك ويجتهد فيه، فوجدنا ذلك أجمع ناقصا عن رتبة القرآن في الفصاحة والبلاغة مقدارا لم تجر العادة بوقوع مثله بين كلام البشر، فأمننا ذلك من أن يكون من كلامه.
قيل لهم: ما أنكرتم من أن يكون القديم تعالى هو الذي يقدره ويخلق فيه العلم بالفصاحة متى عزم وإن يحتر (1) من عليه ويدعي الرسالة منه، وينزع ذلك منه عند مخاطباته وخطبه تلبيسا وإضلالا وغرابة واستفسادا. وإذا كان هكذا فلم لا يكون من كلامه.
ثم لم لا يجوز أن يكون من كلام غير البشر كالجن والملائكة، فإنكم لا تقفون على قدر فصاحة أولئك وبلاغتهم وبأي منظوم الكلام ومنثوره لهم.
ويقال للنجارية منهم: لم تدفعون أن يكون في أخبار القرآن وإن كان كلام الله تعالى ما هو كذب وكان فيها ما هو صدق، لأن الكلام فعل من أفعاله. فكما لا يمتنع أن يكون في أفعاله الجور والعدل والحسن والقبيح لم يجز أن يكون فيها الكذب والصدق والباطل والحق. فلا تجدون شيئا سوى ما تقدم وقد نقضناه.
[مناقشة الكلابية في كلام الله تعالى] وقد يتوهم الكلابية أنها تعتصم من هذا الالزام بقولها: إنه تعالى صادق والصدوق من صفات ذاته، فليس يجوز أن يوصف بهذا للصدق. ويستدلون بأنه صادق بأن يقولوا: إن القرآن قد تضمن ما لا يشك في أنه كالخبر عن الليل والنهار والسماء والأرض ونحو ذلك، فإذا حصل صادقا في شئ لم يجز أن يكون كاذبا