في لون البعير جؤوة إذا خالطه مثل لون الحديد، وإنما أراد بهذا القول انصراف الزبير عن الوقعة قبل إنجاز الأمر بالحرب وانقصاله.
أما انصراف الزبير فقد اختلف الناس فيه وفي أسبابه والداعي إليه: ادعى قومه أنه انصرف للندم على الحرب والتوبة منها، فإنه لما ذكره أمير المؤمنين علي بما ذكره به عاد إلى الحق وانصرف عن الحرب.
وقد تكلمنا على ذلك في كتابنا المعروف (بالشافي في الإمامة) وحررناه و وفرعناه إلى غايته، وأبطلنا أن يكون الرجوع للتوبة والندم لوجوه كثيرة، من أوضحها: أنه لو كان للتوبة لوجب أن ينحاز إلى جهة أمير المؤمنين علي معتذرا إليه ومتنصلا من بغيه عليه ونكثه لبيعته بعد أن كان قد عقدها وأكدها وتولى أيضا نصرته مع العود إلى الاقرار بإمامته، وقتال من أقام الحرب من البغاة، فلا حال هو فيها أحوج إلى النصرة والمعونة من حاله هذه.
ومن جملتها أن قلنا: إن الانحياز عن الحرب والرجوع عن مباشرتها، يحتمل وجوها كثيرة، فليس لنا أن نحمله على أحد محتملاتها بغير دليل قاطع. هذا إذا سلمنا أن الرجوع على ذلك الوجه محتملا للتوبة كاحتماله لغيرها، وقد بينا أنه لا يحتملها، لأنه لم يصر إلى جهة الإمام المفترض الطاعة متنصلا غاسلا لدرن ما أقدم عليه.
وبينا أيضا في ذلك الكتاب أن الرجل عصى بأفعال كثيرة: منها الحرب، ومنها نكث البيعة، والخروج عن الطاعة، والمطالبة بدم عثمان لمن لا يستحق أن يطالب به. فهب عوده عن الحرب توبة منها - وقد بينا أنه ليس كذلك - أليس باقي الذنوب قتلا، وهو عليها مصر غير نادم ولا مقلع. وفي ما لم يثبت منه كفاية في الغرض المقصود.
وقد روى نصر بن مزاحم في كتابه الذي أشرنا إليه أن أمير المؤمنين عليا حين