فمتى علمنا بالدليل أن العلة أثر بها قطعنا بذلك، ومتى دل على أن الفاعل أثر بها حكمنا به، ومتى جوزنا في البعض أن يكون الفاعل هو المؤثر والبعض العلة وجب التوقف وترك القطع.
وهذه حالنا في انتقال الجسم وكونه أسود، لجواز أن يستند الانتقال إلى الفاعل والسواد إلى المعنى. فلا سبيل بالاعتبار الذي اعتبر على أن يقطع على أن الانتقال لا يجوز استناده إلى الفاعل من غير توسط معنى.
(14) [الدليل على أن الجوهر ليس بمحدث] مسألة:
ومما استدلوا بها على أن الجوهر لا يكون محدثا، بمعنى أن ذلك لو وجب فيه لكان المعنى الذي يحتاج إليه في حدوثه يفتقر إلى معنى، لمشاركته له في العلة التي احتاج إليه من أجلها، وهي حدوثه مع جواز ألا يحدث. وذلك يؤدي إلى إثبات ما لا نهاية له من إثبات الحوادث، وهو مستحيل.
وهذا الدليل يعترض بمثل المسألة الأولى، لأنه يمتنع أن يكون حدوث بعض المحدثات لعلة حدوث البعض الآخر بالفاعل.
وقولهم: إنهما إذا اشتركا في كيفية الاستحقاق لم يجز أن يقتضي أحدهما أمرا والآخر سواه. باطل، لأن المشاركة في كيفية الاستحقاق جواز الحدوث يمنع من استناد الصفة إلى النفس، وإذا بطل استنادها إلى النفس لم يمتنع انقساما يستند إليه، فيكون في بعض الذوات بالفاعل وفي بعض بالعلة.
وهذا أمر متلبس لا سبيل إلى العلة، بل الشك في ذلك والتجويز هو الواجب