وإنما لجأوا إلى المناقضة إذا أمكنت والمعارضة، لأن بالمعارضة يخرج الكلام في صحة العلة وبأي شئ تعلق حكم الأصل، وإلا فلو طولب المحتج بالطريقة القياسية - بأن يدل على صحة علته - لما قدر على دفع ذلك.
فإن استدل على صحتها بالاطراد والانعكاس. فليس ذلك بحجة في صحتها، وقد نص محصلو أصحاب القياس على أن الطرد والعكس لا يدل على صحة العلة وإنما يدل على صحتها بيان تأثيرها في الحكم الذي علقت. وهيهات أن يبين صاحب هذه الطريقة تأثير إمكان الطلاق في صحة العقد.
[جواز انفصال بعض الأحكام عن بعض] ثم يقال له: إمكان الطلاق حكم من أحكام النكاح، كما أن التوارث من الزوجين حكم من أحكامه. وليس يجب إذا تعذر في بعض الأنكحة بعض أحكام النكاح أن يحكم بفساد العقد. ألا ترى أن نكاح الذمية عندكم صحيح والتوارث لا يثبت فيه، وهو حكم من أحكام النكاح، وليس يجب أن يقضي بفساد هذا العقد من حيث تعذر فيه هذا الحكم المخصوص.
فلو استدل مستدل على أن نكاح الذمية فاسد، بأنه لا توارث فيه، وقاسه على الأنكحة الفاسدة. ألستم إنما كنتم تفزعون إلى مثل ما ذكرناه، من أنه غير ممتنع أن يعرض في بعض الأنكحة ما يمنع من حكم ثابت وفي غيره.
فإذا قلتم: المعنى الذي عرض في نكاح الذمية يمنع من التوارث معقول، وهو اختلاف الملة.
قلنا: أليس هذا المانع من التوارث - وهو من أحكام النكاح كالطلاق - لا يمنع من صحة هذا النكاح.