من عاش لم تجن عليه نوب * شابت نواحي رأسه أو هرما وقولي:
* ومن ضل عن أيدي الردى شاب مفرقا * وهذه القسمة أصح من قسمة البحتري في قولي:
ولا بد من ترك إحدى اثنتين إما الشباب وأما العمر لأن تلك القسمة اشتبهت على الآمدي حتى تكلم فيها فيما بينا الزلل منه.
فإن قيل: كيف تصح قسمتكم بأنه لا بد من الشيب مع طول العمر وفي الناس من لا يشيب على وجه ولا سبب؟
والجواب عن ذلك: إن في الناس من يتأخر شيبه ولا بد مع استمرار بقائه من بياض سواد شعره ولو كان فيهم من لا يشيب مع البقاء الأطول، وليس الأمر كذلك لكانت القسمة صحيحة ومحمولة على أنه لا بد مع طول العمر من الشيب أو من ورود زمانه، فإن زمانه إذا وفد وورد فهو كالوارد الوافد وإن عاق عنه في بعض الناس عائق. وهذا السؤال لا يتأتى في قولي (شابت نواحي رأسه أو هرما) لأنني جعلت من عاش بين موت أو هرم.
فإن قيل: جزع النساء إنما هو من الشيب وإنما يسلين عنه بأنه لا بد مع العمر من حلوله، وإذا كان منه بد فلا تعزية.
قلنا: إنما تجزع النساء من الشيب لما فيه من أضعاف القوة واكلال الجوارح وإطفاء السورة، والكبر والهرم يكون معه ذلك كله، وإن لم يظهر شيب الشعر فقد بان أنه لا بد مما يجزع النساء منه.