الجمعة (1) لدلالته على أنه لم يكن يصليها، ومن البعيد جدا أن يكون مثله يترك ما كان يجب عليه عينا أو يجهل وجوبه.
وصحيح زرارة قال: حثنا أبو عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ قال: لا إنما عنيت عندكم (2).
فإن من المعلوم أنها لو وجبت عينا لكان يفعلها زرارة وأضرابه مستمرا، ولو فرض جهله بوجوبها عينا قبل حثه عليه السلام فإنما حق العبادة حينئذ أن يقال: أمرنا ونحو ذلك، فلفظ (الحث) لمثل زرارة يعطى الاستحباب.
وما في مصباح الشيخ من قوله عليه السلام في خبر هشام: إني لأحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتى يتمتع ولو مرة، وأن يصلي الجمعة في جماعة (3).
ويحتمل الثلاثة الحث على حضور جمعات العامة، كما يعطيه ما تسمعه من كلام المفيد، ويجوز أن يكون إنما كانا يتركانها خوفا مع علمهما بوجوبها عينا إذا لم يكن خوف فآمنهما الإمامان وأمراهما بها.
وأما الاجماع فهو ممنوع، وأما الأصل فقد يعارض بالأصل والظاهر، فإن الأصل والظاهر فيما ثبت وجوبه عينا عمومه لكافة المكلفين في جميع الأزمان والأصقاع إلى أن يدل دليل على التخصيص أو النسخ.
وقد ثبت وجوب عقد الجمعة والاجتماع إليها عينا بالاجماع والنصوص من الكتاب والسنة، وهي لاطلاقها إذن من الشارع في فعلها وإيجاب لها على كل مكلف، فلا حاجة إلى إذنه لواحد أو جماعة بخصوصهم ونصبه لهم، لخصوص الجمعة كسائر العبادات، إلا أن يقوم دليل على امتيازها من سائر العبادات بافتقارها إلى هذا الإذن.