ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعة كذا، أو وهذا غلط أو خطأ أو جهالة وغفلة ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر الإنسان بعينه أو جماعة معينين.
ومن الغيبة المحرمة قولك: فعل كذا بعض الناس، أو بعض الفقهاء، أو بعض من يدعي العلم، أو بعض المفتين، أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو يدعي الزهد، أو بعض من مر بنا اليوم، أو بعض من رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه لحصول التفهيم. ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يعرضون بالغيبة تعريضا يفهم به كما يفهم بالصريح، فيقال لأحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الشر، الله يعافينا من قلة الحياء، الله يتوب علينا، وما أشبه ذلك مما يفهم تنقصه، فكل ذلك غيبة محرمة، وكذلك إذا قال: فلان يبتلى بما ابتلينا به كلنا، أو ماله حيلة في هذا، كلنا نفعله، وهذه أمثلة وإلا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص إنسان كما سبق، وكل هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن " صحيح مسلم " وغيره في حد الغيبة، والله أعلم.
فصل: إعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها فيجب على من سمع إنسانا يبتدئ بغيبة محرمة أن ينهاه إن لم يخف ضررا ظاهرا، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر، لزمه ذلك، إن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: اسكت وهو يشتهي بقلبه استمراره، فقال أبو حامد الغزالي:
ذلك نفاق لا يخرجه عن الإثم، ولا بد من كراهته بقلبه، ومتى اضطر إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة، وعجز عن الإنكار، أو أنكر فلم يقبل منه ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرون في الغيبة ونحوها، وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) [الأنعام: 68].
وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه دعي إلى وليمة، فحضر، فذكروا