(باب حفظ اللسان) قال الله تعالى: (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق: 18] وقال الله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد) [الفجر: 14]. وقد ذكرت ما يسره الله سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبق، وأردت أن أضم إليها ما يكره أو يحرم من الألفاظ ليكون الكتاب جامعا لاحكام الألفاظ، ومبينا أقسامها، فأذكر من ذلك مقاصد يحتاج إلى معرفتها كل متدين، وأكثر ما أذكره معروف، فلهذا أترك الأدلة في أكثره، وبالله التوفيق.
فصل: إعلم أنه لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شئ.
1014 - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " (1).
قلت: فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم. وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر.
1015 - وروينا في " صحيحيهما " عن أبي موسى الأشعري قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ".
1016 - وروينا في " صحيح البخاري " عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة ".
1017 - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة، أنه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن العبد يتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " وفي رواية البخاري: " أبعد مما بين المشرق " من غير ذكر " المغرب "، ومعنى يتبين: يتفكر في أنها خير أم لا.
1018 - وروينا في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم)