كان مخلا بما يأمر به والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشأنه " قال وهذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال: * (ولينصرن الله من ينصره) * وقال ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من يسعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه من سعى في ذهاب دينه أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه انتهى ملخصا.
قال المنذري: وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة مختصرا ومطولا وقد تقدم في كتاب الصلاة.
كيف تقول في هذه الآية * (عليكم أنفسكم) * أي ما معنى هذه الآية وما تقول فيه فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي، بل على كل مسلم إصلاح نفسه (أما) بالتخفيف حرف التنبيه (بل ائتمروا) أي امتثلوا (بالمعروف) أي ومنه الأمر بالمعروف (وتناهوا عن المنكر) أي انتهوا واجتنبوا عنه، ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التآمر كالاختصام بمعنى التخاصم، ويؤيده التناهي، والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر. وقال الطيبي: قوله بل ائتمروا إضراب عن مقدر أي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية فقال عليه الصلاة والسلام لا