(وقد حلق) بصيغة المجهول (فنهاهم) أي أهل الصبي (عن ذلك) أي عما ذكر من حلق البعض وترك البعض.
واختلف في علة النهي فقيل لكونه يشوه الخلقة، وقيل لأنه زي الشيطان وقيل لأنه زي اليهود وقد جاء هذا مصرحا به في رواية أنس الآتية في الباب الذي يليه (احلقوه) أي رأسه (كله) أي كل الرأس أي شعره. قال القاري: فيه إشارة إلى أن الحلق في غير الحج والعمرة جائز، وأن الرجل مخير بين الحلق وتركه لكن الأفضل أن لا يحلق إلا في أحد النسكين كما كان عليه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم، وانفرد منهم علي كرم الله وجهه. وفي بعض الشروح أفاد الحديث أن حلق بعض الرأس وترك بعضه على أي شكل كان من قبل ودبر منهي عنه وأن الجائز في حق الصبيان أن يحلق رؤوسهم كلها أو يترك كلها انتهى.
وقال الشوكاني في النيل: في الحديث رد على من كره حلق الرأس لما رواه الدارقطني في الافراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة، ولقول عمر لضبيع لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف، ولحديث الخوارج أن سيماهم التحليق.
قال أحمد: إنما كرهوا الحلق بالموسى أما بالمقراض فليس به بأمن لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق انتهى كلام الشوكاني. ولم يجب عما تمسك به القائلون بالكراهة وأقواها حديث الخوارج وأجاب النووي عنه بأنه لا دلالة فيه على كراهة حلق الرأس وإنما هو علامة لهم والعلامة قد تكون بحرام وقد تكون بمباح كما قال صلى الله عليه وسلم: آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة. ومعلوم أن هذا ليس بحرام وقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وذكر الحديث، قال وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلا انتهى.
قال المنذري: وأخرجه النسائي وأخرجه مسلم بالإسناد الذي أخرجه به أبو داود ولم يذكر لفظه. وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلما أخرجه بهذا اللفظ.
(باب ما جاء في الرخصة) أي في رخصة الذؤابة للصبي.