ابن عبد البر، ولعل مراده رمضان لا يقيد وسطه إذ هو لم يداوم عليه (فاعتكف عاما) أي اعتكف في رمضان في عام (يخرج فيها) ولفظ الموطأ الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه (من كان اعتكف معي) العشر الوسط (فليعتكف العشر الأواخر) وفي رواية للشيخين " فخطبنا صبيحة عشرين، وفي أخرى لهما فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال: كنت أجاور هذا العشر ثم بدا لي أن أجاور هذا العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه ".
وفي مسلم من وجه آخر عن أبي سعيد " أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، فأخذه فنحاه في ناحية القبة، ثم كلم الناس فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أوتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه " وعند البخاري أن جبريل أتاه في المرتين فقال له إن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة والميم أي قدامك (وقد رأيت) وفي رواية أريت بهمزة أوله مضمومة مبني للمفعول أي أعلمت (هذه الليلة) نصب مفعول به لا طرف أي أريت ليلة القدر. وجوز الباجي أن الرؤية بمعنى البصر أي رأى علامتها التي أعلمت له بها وهي السجود في الماء والطين (ثم أنسيتها) بضم الهمزة. قال القفال ليس معناه أنه رأى الملائكة والأنوار عيانا ثم نسي في أول ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى، وإنما معناه أنه قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا. فنسي كيف قيل له (وقد رأيتني) بضم التاء وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول وهو المتكلم، وذلك من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي (أسجد من صبيحتها) بمعنى في كقوله تعالى: (من يوم الجمعة) أو لابتداء الغاية الزمانية (في ماء وطين) علامة جعلت له يستدل بها عليها ثم المراد أنه نسي علم تعيينها تلك السنة لا رفع وجودها لأمره بطلبها بقوله (فالتمسوها في العشر الأواخر) من رمضان (والتمسوها في كل وتر) منه أي أوتار لياليه وأولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التاسع والعشرين، وهذا لا يقال قوله التمسوها في السبع الأواخر، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحدث بما هنا جازما