وفاته، وبعد وفاته - أيضا - رأينا الخليفة القرشي الثاني يمنع بشدة عن كتابة حديث الرسول، ويحرق ما كتب منها، ويمنع من نشر حديث الرسول، ويسجن في المدينة من خالف من الصحابة. وعلى نهجه سار الخليفة القرشي الثالث عثمان، وكان من الطبيعي ان يسير في ركاب السلطة جمع من الصحابة.
ورأينا في الجانب الآخر في الصحابة من يخالف هذا الاتجاه، وينشر أحاديث الرسول ويناله الارهاق والشدة مثل الصحابي أبو ذر. وسيأتي في البحوث الآتية بهذا الكتاب إن شاء الله تعالى ان الإمام علي (ع) كان مشجعا لهذا الاتجاه، وكان من الطبيعي تشجيعه لنشر حديث الرسول على عهد خلافته، ولما استشهد في محرابه وولي معاوية الحكم لم يكن من الهين على معاوية بعد ذلك ان يمنع كتابة حديث الرسول ما لا يريد نشره، وكان لابد له من مؤيد على هذا الاتجاه فرويت أحاديث " منع الرسول من كتابة الحديث " في هذا العصر، وأنتج كل ذلك ان نجد في أحاديث الرسول هذا التناقض:
أحاديث تروى عن رسول الله أنه قال: " اكتبوا حديثي ".
وأحاديث تروى أنه قال: " لا تكتبوا حديثي ".
وهكذا وجدت الأحاديث المتناقضة في الأحاديث المروية عن رسول الله (ص).
وعلى هذا متى ما وجدنا الأحاديث متعارضة، ينبغي ان نترك ما يوافق اتجاه السلطة الحاكمة مدى العصور.
ولا يفوتنا أخيرا ان نقول: إن المنع كان بقصد منع نشر فضائل الإمام علي (ع) على المسلمين، خاصة على عهد معاوية الذي كان يأمر بلعن الامام في خطب الجمعة على منابر المسلمين.
أشرنا في ما سبق إلى جانب مما اقتضته سياسة الحكم لدى معاوية وهو صرف الناس من تجاه مدرسة أهل البيت إلى مدرسة الخلفاء، وبالإضافة إلى ذلك كان معاوية بحاجة إلى تغيير رؤية المسلمين لامامهم أكثر فأكثر. فان رؤية المسلمين للحاكم الاسلامي الأول رسول الله (ص)، وانه مثال للكمال الانساني، وانه لا تصدر منه المعاصي، ولا ينساق وراء هوى نفسه. كان ذلك يمنع غير المنحرفين من أفراد الأمة من