البلاط الأموي لم يتركوا أفكارهم المسيحية وأعرافهم خلفهم، بل حملوها معهم إلى بلاط الخلافة الأموية. أضف إلى هذا ان عاصمة معاوية الشام كانت قبل ذلك عاصمة لنصارى الروم البيزنطيين، وكانت ذات حضارة عريقة. هذا ما كان من أمر المحيط الذي انتقل إليه معاوية.
أما معاوية نفسه، فكان قد نشأ في وسط أغلظ الجاهليات القبلية التي حاربت الاسلام وأعرافه حتى أخضعها الاسلام بقوة السيف. نشأ فيها حتى صلب عوده، وانتقل على كبر سنه من مكة بعد فتحها إلى المدينة، ومن الجاهلية إلى الاسلام 1، ولم يمكث في المجتمع الاسلامي الناشئ إلا وقتا قصيرا لا يكفي ليتطبع فيه بالطابع الاسلامي الجديد عليه ويتمرن به ليستطيع أن يؤثر على ذلك المجتمع الذي امتدت حضارته إلى آماد بعيدة في الدهر، بل هو الذي تأثر بها.
وكان معاوية يبعد من ذلك المجتمع من كان يعترض سبيله من صحابة تطبعوا بالطابع الاسلامي الأصيل نظراء أبي ذر وأبي الدرداء وقراء أهل الكوفة 2.
كل تلكم كانت عوامل أدت إلى صبغ مدرسة الخلفاء منذ عصر معاوية بطابع ثقافة أهل الكتاب، ولم تدرس تلك العوامل حتى اليوم دراسة موضوعية ليعرف مدى اثرها على تلكم المدرسة.
وكان معاوية بالإضافة إلى ما ذكرنا متطبعا بالطابع الجاهلي ملتزما بأعرافه من التعصب القبلي، وإحياء آثاره 3، وكانت له مع ذلك أهداف أخرى من قبيل