الحكيم على ضوء الحديث النبوي الشريف، وتضيع على الفقيه جهده في استنباطه الأحكام استنادا إلى السيرة النبوية، إلا فيما إذا كان كل منهم يدرس موضوعه دراسة سطحية، ويعتمد على أول حديث يصادفه في إحدى أمهات كتب الصحاح والمسانيد، ويصدر حكمه القطعي استنادا إلى ما صادفه من حديث دونما تتبع وتنقيب عن غيره من الأحاديث المتناقضة في هذا الباب. ولعل المستشرق الأجنبي أبعد من كل هؤلاء عن فهم الواقع من حياة النبي (ص) وماذا عساه أن يفهم من الرجوع إلى هذه الأحاديث؟!
لقد وجدنا أم المؤمنين في أحاديثها الأولى عن التحريم تذكر أن سبب نزولها مراجعة نساء النبي إياه، ونجد أم المؤمنين تذكر في أحاديثها الأخيرة أن النبي هجر نساءه شهرا لأن زينب ردت عليه ما كان قد بعثه إليها، فقالت عائشة:
لقد أقمأت وجهك أن ترد عليك فغضب الرسول من ذلك وقال: " أنتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرا " وليت شعري ما ذنب سائر أمهات المؤمنين أن يهجرهن الرسول (ص) شهرا لما قامت به أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين زينب، وقد قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؟ أضف إلى هذا أنها قالت: إن الرسول (ص) أمرها أن تراجع أبويها في التخيير، وكان التخيير في السنة الثامنة بينا أمها كانت قد توفيت في السنة الرابعة أو الخامسة أو السادسة من الهجرة، وبعد كل هذا هل أن قصة التخيير والمظاهرة هما قصة واحدة أم إنهما قصتان؟
أما القرآن الكريم فإذا رجعنا إليه وحده - دون الاستئناس إلى الأحاديث المذكورة - فنجد أمر التخيير مذكورا في الآيات الآتية من سورة الأحزاب كالآتي:
(يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين