نزلوا وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما. ثم راح رسول الله (ص) بالناس مبردا، فنزل من الغد ماء يقال له بقعاء فوق النقيع، وسرح الناس ظهرهم، فأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها، وسألوا عنها رسول الله (ص) وخافوا أن يكون عيينة بن حصن خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث! وإنما بالمدينة الذراري والصبيان. وكانت بين النبي (ص) وبين عيينة مدة، فكان ذلك حين انقضائها فدخلهم أشد الخوف، فبلغ رسول الله (ص) خوفهم، فقال رسول الله (ص): ليس عليكم بأس منها، ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح. وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو زيد بن رفاعة بن التابوت، مات ذلك اليوم.
قال جابر بن عبد الله، قال: كانت الريح يومئذ أشد ما كانت قط. إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار. قال جابر: فسألت حين تدمت قبل أن أدخل بيتي: من مات؟ فقالوا: زيد بن رفاعة بن التابوت. وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو الله فسكنت الريح.
قال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبي: أبا حباب، مات خليلك! قال:
أي أخلائي؟ قال: من موته فتح للاسلام وأهله. قال: من؟ قال: زيد بن رفاعة ابن التابوت. قال: يا ويلاه، كان والله وكان! فجعل يذكر، فقلت: اعتصمت بالذنب الأبتر (1). قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ قلت: رسول الله (ص) أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة. قال: فأسقط في يديه وانصرف كئيبا حزينا. قالوا: وسكنت الريح آخر النهار فجمع الناس ظهورهم.
ثم تقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس حتى وقف لأبيه على الطريق