وذلك أن التابعين مثل الأسود وعلقمة من أهل العراق وأبي سلمة وعطاء ودونهما من أهل الحجاز قد سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها بعد أن سمعوا صوتها، وقبل الناس أخبارهم من غير أن يصل أحدهم إليها حتى ينظر إليها عيانا، فكذلك ابن إسحاق كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مسبل أو بينهما حائل من حيث يسمع كلامها، فهذا سماع صحيح، والقادح فيه غير منصف.
وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة ثم عادله إلى ما يجب، وذاك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحاق، وكان يزعم أن مالك من موالي بني أصبح وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم فوقع بينهما لهذا مفاوضة، فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحاق: إيتوني به فإني بيطاره!
فنقل ذلك لي مالك فقال: لا يسكت هذا دجال من الدجاجلة! يروي عن اليهود وكان بينهم ما يكون بين الناس. حتى عزم محمد بن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ وأعطاه مالك عند الوداع خمسين دينارا ثمن تمرته تلك السنة. ولم يكن يقدح مالك فيه من أجل الحديث، إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وقريضة والنضير وما أشبهها من الغزوات عن أسلافهم. وكان ابن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم من غير أن يحتج بهم. وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق فاضل يحسن ما يروي ويدري ما يحدث.
حدثني محمد بن عبد الرحمن الدغلوي [الدغولى] ثنا ابن فهر [فهر] ثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: دخلت على ابن المبارك وإذا هو وحده فقلت يا أبا عبد الرحمن كنت أشتهي أن ألقاك على هذه الحالة. قال: هات. قلت:
ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: إنا وجدناه صدوقا ثلاث مرات.
سمعت محمد بن إسحاق الثقفي بقول: سمعت المفضل بن غسان الغلابي