ثم إن أكثر الأصحاب على أن الأقرء أولى من الأفقه، وذهب بعضهم إلى العكس وبعضهم إلى التخيير، ويدل هذه الرواية على الأول، وقد روي من طريق العامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا (1).
وقد يجاب بأن المراد بالأقرأ الأفقه، لأنه كان المتعارف في زمانه صلى الله عليه وآله أنهم وأما إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه، قال ابن مسعود: كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها، وإطلاق القاري على العالم بأحكام الشريعة غير عزيز في الصدر الأول.
واعترض عليه بأن ذكر الأعلم بالسنة بعد ذلك يأبى عنه، إلا أن يقال:
المراد بالأقرأ الأعرف بمعاني القرآن وأحكامه، ويؤيده قوله عليه السلام: " لا خير في قراءة ليس فيها تدبر " والأفقهية المذكورة بعدها هو العلم بالسنن وغيرها، وربما يرجح تقديم الأعلم بالأخبار الدالة على فضل العلم والعلماء، وبما سيأتي من ذم تقديم غير الأعلم، وبما اشتهر قديما وحديثا بين الشيعة من قبح تفضيل المفضول وتقديمه.
ثم إنه فسر جماعة من الأصحاب الأقرأ بالأجود قراءة، وإتقانا للحروف وأحسن إخراجا لها من مخارجها، وضم بعضهم إليها الأعراف بالأصول والقواعد المقررة بين القراء، وقيل أكثر قرآنا، ونسبه في البيان إلى الرواية، فيحتمل أكثر قراءة وأكثر حفظا للقرآن، ولا يبعد شموله للجميع.
ثم المشهور أن بعد الأقرأ الأفقه كما سيأتي في فقه الرضا عليه السلام، وذهب بعضهم إلى تقديم الأقدم هجرة، فالأسن، فالأفقه، كما في الرواية وبعضهم إلى