في اختلافهم بعد نبيهم وتفريقهم الأمة، وتشتيت أمر المسلمين، واعتدائهم على أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن بين لهم من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية بالمخالفة، فاتبعوا أهواءهم وتركوا ما أمرهم الله به ورسوله قال تعالى: " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " (1) ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " (2).
ثم وصف ما أعده من كرامته تعالى لهم وما أعده لمن أشرك به، وخالف أمره وعصى وليه، من النقمة والعذاب، ففرق بين صفات المهتدين، وصفات المعتدين، فجعل ذلك مسطورا في كثير من آيات كتابه ولهذه العلة قال الله تعالى:
" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (3) فترى من هو الامام الذي يستحق هذه الصفة من الله عز وجل المفروض على الأمة طاعته؟ من لم يشرك بالله تعالى طرفة عين، ولم يعصه في دقيقة ولا جليلة قط؟ أم من أنفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الأوثان، ثم أظهر الايمان وأبطن النفاق؟ وهل من صفة الحكيم أن يطهر الخبيث بالخبيث، ويقيم الحدود على الأمة من في جنبه الحدود الكثيرة، وهو سبحانه يقول: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " (4) أولم يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله بتبليغ ما عهده إليه في وصيه، وإظهار إمامته و ولايته، بقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (5) فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ما قد سمع، وعلم أن الشياطين اجتمعوا إلى إبليس فقالوا له: ألم تكن أخبرتنا أن محمدا إذا مضى نكثت أمته عهده ونقضت سنته، وإن الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك، وهو قوله " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " (6) فكيف