كذا فهمه الأكثر، ويخطر بالبال أن المعنى أنه يحسن إلى غيره سواء وعده الاحسان أو لم يعده كما فسرت الآية المتقدمة في كثير من الاخبار بخلف الوعد وفي النهج " وكان يقول ما يفعل، ولا يقول ما لا يفعل " وفي بعض نسخه في الأول " وكان يفعل ما يقول ".
" كان إذا ابتزه أمران " كذا في أكثر النسخ بالباء الموحدة والزاي على بناء الافتعال، أي استلبه وغلبه وأخذه قهرا، كناية عن شدة ميله إليهما وحصول الدواعي في كل منهما، في القاموس البز الغلبة، وأخذ الشئ بجفاء وقهر كالابتزاز، وبزبز الشئ سلبه كابتزه، ولا يبعد أن يكون في الأصل: " انبراه " بالنون والباء الموحدة على الحذف والإيصال أي اعترض له، وفي النهج " وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه " يقال بدهه أمر كمنعه أي بغته وفاجأه.
وهذا الكلام يحتمل معنيين الأول أن يكون المعنى إذا عرضت له طاعتان كان يختار أشقهما على نفسه، لكونها أكثر ثوابا، كالوضوء بالماء البارد والحار في الشتاء، كما ورد ذلك في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام والثاني أن يكون معيارا لحسن الأشياء وقبحها، كما إذا ورد عليه فعل لا يدري فعله أفضل أو تركه فينظر إلى نفسه وكلما تهواه يخالفها كما ورد لا تترك النفس وهواها، فان رداها في هواها وهذا هو الغالب، لكن جعلها قاعدة كلية كما تقوله المتصوفة مشكل، لما نقل عن بعضهم أنه مر بعذرة فعرضها على نفسه فأبت فأكلها، والظاهر أن أكلها كان عين هواها لتعده الرعاع (1) من الناس شيخا كاملا، ولكل عذرة آكلا.
" إلا عند من يرجو عنده البرء " أي ربه تعالى فإنه الشافي حقيقة، أو المراد به الطبيب الحاذق الذي يرجو بمعالجته البرء فإنه حينئذ ليس بشكاية، بل هو طلب لعلاجه، فلاستثناء منقطع، وفي النهج " وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه "