كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " (1) فيكون مراده عليه السلام على هذا أنه لا يصدق اسم الاستضعاف على من عرف الامام وبلغته أحكامه، ووعاها قلبه، وإن بقي في ولده وأهله لم يتجشم السفر إلى الامام، كما صدق على هؤلاء المذكورين في الآية والثانية قوله تعالى بعد ذلك: " إلا المستضعفين من الرجال والنساء " الآية فيكون مراده على هذا أن من عرف الامام، وسمع مقالته، ووعاها قلبه، لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما صدق على هؤلاء، إذ كان المفروض على الموجودين في عصر الرسول المهاجرة بالأبدان دون من بعدهم، بل يقنع منهم بمعرفته والعمل بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن.
وقال ابن ميثم رحمه الله بعد حكاية كلامه: وأقول: يحتمل أن يريد بقوله ذلك أنه لا عذر لمن بلغته دعوة الحجة فسمعتها اذنه، في تأخيره عن النهوض والمهاجرة إليه، مع قدرته على ذلك ولا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما يصدق على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان حتى يكون ذلك عذرا له، بل يكون في تأخره ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالوا كنا مستضعفين في الأرض ويكون مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين، فان اسم الاستضعاف صادق عليهم انتهى (2).
وأقول: سيأتي شرح هذا الكلام في أخبار كثيرة وأن المراد به أن المستضعف المعذور في معرفة الامام في زمان الهدنة في الجملة، إنما هو إذا لم تبلغه الحجة واختلاف الناس فيه، أو بلغه ولم يكن له عقل يتميز به بين الحق والباطل، كما سنذكر تفصيله إن شاء الله تعالى.
" إن أمرنا صعب مستصعب " الصعب العسر والابي الذي لا ينقاد بسهولة ضد الذلول واستصعب الامر أي صار صعبا، واستصعبت الامر أي وجدته صعبا