ينزل الله مصدقا، فلو تحقق الايمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر والايمان في محل واحد، وهو محال لتقابلهما بالعدم والملكة.
والجواب عن الأول أنه يجوز أن يكون المراد - والله أعلم - الأعمال الندبية، على أنا نقول: إن ظاهر الآية الكريمة متروك، فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله وكان قد سبق منه معصية واحدة لم يثب عليها ويكون جميع أعمال الطاعات اللاحقة غير مقبولة، والقول بذلك مع بعده عن حكمة الله تعالى من أفظع الفظايع، فلا يكون مرادا بل المراد - والله أعلم - أن من عمل عملا إنما يكون مقبولا إذا كان متقيا فيه، بأن يكون مخلصا فيه لله تعالى وحينئذ فلا دلالة لهم في الآية الكريمة مع أنا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بدلالتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى، فلا يحصل بذلك مدعاهم الذي هو كون الايمان عبارة عن جميع الواجبات - الخ -، ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون الايمان عبارة عما ذكرتم مع التصديق بالمعارف الأصولية، وعدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل.
وأما الحديث الأول على تقدير تسليمه، فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن استحل، ودليل التخصيص في أحاديث اخر أو على نفي الكمال في الايمان، وكذا الحديث الثاني وأما الاستدلال بالآية فقد تعارض بقوله تعالى:
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (1) " والفاسق مؤمن على المذهب الحق، وبين المنزلتين على غيره، ويمكن أن يقال الفسق لا ينافي الكفر إذ الكافر فاسق لغة، وإن كان في العرف يباينه، لكنه لم يتحقق كونه عرف الشارع، بل المعلوم كونه لأهل الشرع والأصول، فلا تعارض حينئذ.
أقول: والحق في الجواب أن المراد - والله أعلم - ومن لم يحكم بما أنزل أي بما علم قطعا أن الله سبحانه أنزله فان العدول عنه إلى غيره مستحلا أو الوقوف عنه كذلك لا ريب في كونه كفرا لأنه إنكار لما علم ثبوته ضرورة، فلا يكون