واحتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف الإلهية لوجد من الصحابة، إذ هم أولى به من غيرهم، لكنه لم يوجد وإلا لنقل كما نقل عنهم النظر والمناظرة في المسائل الفقهية، فحيث لم ينقل لم يقع، فلم يجب.
وأجيب بالتزام كونهم أولى به، لكنهم نظروا وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة الله تعالى، وكون الواحد منا أفضل منهم، وهو باطل إجماعا، إذا كانوا عالمين، وليس بالضرورة، فهو بالنظر والاستدلال، وأما أنه لم ينقل النظر والمناظرة، فلاتفاقهم على العقائد الحقة لوضوح الامر عندهم، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن الهوى فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر، بخلاف الاخلاف بعدهم، فإنهم لما كثرت شبه الضالين، واختلفت أنظار طالبي اليقين، لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا إلى النظر والمناظرة، ليدفعوا بذلك شبه المضلين، ويقفوا على اليقين، أما مسائل الفروع لما كانت أمورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض الامارات فيها وقع بينهم الخلاف فيها، والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل.
واحتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات، والتورط في الضلالات، بخلاف التقليد فإنه أبعد عن ذلك، وأقرب إلى السلامة، فيكون أولى، ولان الأصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى، فإذا جاز التقليد في الأسهل، جاز في الأصعب، بطريق أولى، ولأنهما سواء في التكليف بهما فإذا جاز في الفروع فليجز في الأصول.
وأجيب عن الأول بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل أو الانتهاء إلى من يعتقد عن نظر، لانتفاء الضرورة، فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة، وهي احتمال كذب المخبر، بخلاف الناظر مع نفسه، فإنه لا يكابر نفسه فيما أدى إليه نظره، على أنه لو اتفق الانتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم، أو بالالهام، أو بخلق العلم فيه ضرورة، فهو إنما يكون لافراد نادرة، لأنه على خلاف العادة فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة، بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب، بخلاف الناظر فإنه لا يكابر نفسه