كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنزير، فإنه لو القي إليه الطعام الطيب تركه وإذا أقام الرجل عن رجيعه ولغت (1) فيه، وكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها، فان أخطأت مرة واحدة حفظها، ولم يجلس مجلسا إلا رواه عنه.
ثم قال: فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر البهائم والسباع فبالغ في الاحتراز.
ثم قال: ذهب القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله موصوفة بالمعارف الحقة وبالأخلاق الطاهرة فإنها بعد موتها تنقل إلى أبدان الملوك، فربما قالوا: إنها تنقل إلى مخالطة عالم الملائكة، وإن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل إلى أبدان الحيوانات، وكلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة واستحقاقا للعذاب نقلت إلى بدن حيوان أخس وأكثر تعبا وشقاء واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا: صريح هذه الآية يدل على أنه لا دابة ولا طير إلا وهي أمم أمثالنا، ولفظ المماثلة يقتضي حصول المساواة في جميع الصفات الذاتية وأما الصفات العرضية المفارقة فالمساواة فيها غير معتبرة في حصول المماثلة.
ثم إن القائلين بهذا القول زادوا عليه وقالوا: قد ثبت بهذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها وعارفة بما تحصل لها من السعادة والشقاوة، وأن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولا من جنسها.
واحتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب والطيور أمم، ثم إنه تعالى قال: " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " (2) وذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولا أرسله الله إليه، ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد والنمل وسائر القصص المذكورة في القرآن.
واعلم أن القول بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول، وأما