ولا روية، بل خلقة خلق عليها لمصلحة لطفا من الله عز وجل انظر إلى هذا الذي يقال له الليث: وتسميه العامة أسد الذباب وما أعطي من الحيلة، والرفق في معاشه، فإنك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به، فإذا رأى الذباب قد اطمأن وغفل عنه دب دبيبا دقيقا (1) حتى يكون منه بحيث يناله وثبه ثم يثب عليه فيأخذه، فإذا أخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة أن ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بأنه قد ضعف واسترخى ثم يقبل عليه فيفترسه ويحيى بذلك منه، فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا ومصيدة للذباب، ثم يكمن في جوفه فإذا نشب (2) فيه الذباب أحال (3) عليه يلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه، فكذلك يحكي صيد الكلاب والنهود، وهكذا يحكى صيد الاشراك والحبائل.
فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل طبعها مالا يبلغه الانسان إلا بالحيلة واستعمال آلات فيها فلا تزدر (4) بالشئ إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك فان المعنى النفيس، قد يمثل بالشئ الحقير فلا يصنع منه (5) ذلك، كما لا يضع من الدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.
تأمل يا مفضل: جسم الطائر وخلقته فإنه حين قدر أن يكون طائرا في