خلق الله اذني لاسمع بهما، وخلق عيني لابصربهما، وخلق أنفي لأجد به الرائحة الطيبة والمنتنة ففيما خلق هذان؟ وكيف نبت الشعر على جميع جسده ما خلا هذا الموضع؟ فقال أبو حنيفة: سبحان الله أسألك (1) عن دين الله وتسألني عن مسائل الصبيان، فقام وخرج، قال محمد بن مسلم: فقلت له عليه السلام: جعلت فداك سألته عن أمر أحب أن أعلمه، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: " لقد خلقنا الانسان في كبد " (2) يعني منتصبا في بطن أمه، مقاديمه إلى مقاديم أمه، ومواخيره إلى مواخير أمه، غذاؤه مما تأكل أمه، ويشرب مما تشرب أمه، وتنسمه تنسيما وميثاقه الذي أخذ الله عليه بين عينيه، فإذا دنا ولادته أتاه ملك يسمى الزاجر فيزجره فينقلب فتصير مقاديمه إلى مؤاخر أمه ومواخيره إلى مقدم أمه (3) ليسهل الله على المرأة والوالد أمره، ويصيب ذلك جميع الناس إلا إذا كان عاميا (4)، فإذا زجره فزع وانقلب ووقع إلى الأرض باكيا من زجرة الزاجر ونسي الميثاق، وإن الله خلق جميع البهائم في بطون أمهاتها منكوسة مقدمها إلى مؤخر أمها ومؤخرها إلى مقدم أمها (5)، وهي تتربص في الأرحام منكوسة، قد ادخل رأسها بين يديها ورجليها، تأخذ الغذاء من أمها، فإذا دنا ولادتها انسلت انسلالا وامترقت من بطون أمهاتها، وهاتان التي بين أيديها (6) كلها موضع أعينها في بطون أمهاتها، وما في عراقيبها موضع مناخيرها، لا ينبت عليه الشعر، وهو للدواب كلها ما خلا البعير فان عنقه طال فنفذ رأسه بين
(١٢٨)