ولده) (١) ويشتغل فيه الصديقون بأنفسهم ويقول كل واحد نفسي نفسي فضلا من غيرهم، فلا ينبغي ان يصحب معه غير الخالص من العمل، فكما ان المسافر إلى البلد البعيد المشفق لا يصحب معه الا خالص الذهب طلبا للخفة وكثرة الانتفاع به عند الحاجة إليه، ولا حاجة أعظم من فاقة القيامة، ولا عمل أنفع من الخالص لله، فهو أنفس الذخائر وأحفظها حملا بل هو يحمل صاحبه على ما ورد في تفسير قوله تعالى ﴿وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم﴾ (٢) ان العمل الصالح يقول لصاحبه عند أهوال القيامة: اركبني ولطال ما ركبتك في الدنيا فيركبه ويتخطى (٣) به شدايدها.
وروى داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان العمل الصالح ليمهد لصاحبه في الجنة كما يرسل الرجل غلامه بفراشه فيفرش له، ثم قرء ﴿ومن عمل صالحا فلا نفسهم يمهدون﴾ (4) فمن أحضر في قلبه الآخرة وأهوالها ومنازلها الرفيعة عند الله استحقر ما يتعلق بالخلق أيام الحياة مع ما فيه من الكدورات والمنغصات جمع همه، وصرف إلى الله قلبه وتخلص من مذلة الرياء ومقاسات قلوب الخلق، وانعطف من اخلاصه أنوار على قلبه ينشرح بها صدره وينطق بها لسانه، وينفتح له من الطاف الله ما يزيده الله انسا ومن الناس وحشة، واحتقارا للدنيا واعظاما للآخرة، وسقط محل الخلق عن قلبه، وانحل عنه داعية الرياء، وآثر الوحدة وأحب الخلوة، وهطلت (5) عليه سحائب ا لرحمة، ونطق لسانه بطرائف الحكمة.