هذان المعنيان وإن كانا صحيحين ولكن لا يصح لغة ولا عرفا إطلاق الحساب عليهما فقوله (تعالى) فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا 8 الانشقاق وكذا قوله (تعالى) يحاسبكم به الله 284 البقرة وقوله وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين 47 الأنبياء وقوله أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد 18 الرعد فقد فرق بين سوء الحساب وبين عذاب جهنم وقوله يوم يقوم الحساب 41 إبراهيم وقوله إنهم كانوا لا يرجون حسابا وقوله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم غاشية 25 و قوله إني ظننت أني ملاق حسابيه... يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه 26 الحاقة.
فإذا فرضنا أن اللغة والعرف يفسران الحساب والمحاسبة الواردين في الكتاب والسنة بمعناهما الحقيقي وهو عد الأعمال وإحصائها بالأرقام وبالقيم التي لها عند الله (تعالى) وكان هو المرتكز في أذهان المتشرعة، بل اعتقدوه و اعتقدوا كونه مما يجب الاعتقاد به، ولم يكن مانع عقلي ولا نقلي من قبوله، فلا وجه لإنكاره أو توجيهه بالمعنى المجازي. إلا خصوصية الكتاب أو الزمان الذي تقتضي عدم ذكر بعض الحقايق لقصور فهم أصحابه عن دركه، إذ لم ينكر الشيخ المعنى الذي ذكرناه بل اقتصر على المعنى المجازي الذي ذكره وسكت عما ذكرنا والله العالم.
ومن الغريب أن الشيخ قده أول الحساب بما ذكر مع عدم شبهة فيه، و حمل الصراط على معناه اللغوي التعبدي، مع إنه كان أولى بالتأويل كما أوله كثير من المعتزلة.
وذكر في الميزان كلاما ذو وجهين يمكن حمله على المعنى الظاهر