ولا يخفى أن المواضيع التي يبحث عنها شيخنا المفيد قدس سره في هذا الكتاب مواضيع كلامية حسب ما التزم به، وإن كان قسما كبيرا منها داخلا في موضوعات سائر العلوم مثل الفلسفة والفقه والأصول والتاريخ والتفسير والحديث وغيرها كما مر.
ولكن قد تبين في محله أن كون المسألة من مسائل علم لا ينافي كونها من مسائل علم آخر من جهة أخرى، فإن الجهات والحيثيات هي المائزة بين موضوعات العلوم ومسائلها.
وعليه فمسائل هذا الكتاب كلها مسائل كلامية من دون استثناء إذ قد بحث عنها هنا من تلك الحيثية، وأما الحيثيات الأخرى الموجودة فيها فهي غير ملحوظة هنا أصلا أو أنها لوحظت تبعا، كما أنها حينما يبحث عنها في تلك العلوم تكون الحيثية الكلامية غير ملحوظة.
نعم هناك نكتة لا بأس بالتنبه إليها، وهي: أن وجود جهتين وحيثيتين في مسألة واحدة لا ينافي كثرة المناسبة مع أحدهما وقلتها بالنسبة إلى الآخر، فإن مسألة (الأسماء والأحكام) مثلا مسألة كلامية بالأصالة، وفقهية بالتبع.
وكذلك مسألة (من قضى فرضا بمال حرام) مسألة، أصولية بالأصالة وكلامية بالتبع.
ومسألة الإجماع كلامية بالقدر الذي هي أصولية، ومسألة آباء النبي (ص) كلامية تاريخية وهكذا والحاصل أنه ربما توجد مسألة تساوى فيها جهتا العلمين بحيث يكون البحث في كل منهما أصليا لا تبعيا، أو يترجح إحدى الحيثيتين على الأخرى كما ذكرنا، وعلى التقديرين فالمسألة تكون مشتركة بين العلمين.